أيها السادة :
بغض النظر عن موقع الحزب كرائد من الرواد الأولين للوسطية في المغرب ، وأول من انتبه إلى نضوب واندثار الفكر الاشتراكي والشيوعي، وظهور تيارات دينية متطرفة ، وتغول الرأسمالية العالمية التي لا ترى إلا الربح المادي ، دون اعتبار للإنسانية في جانبها الاجتماعي .
وكرد على ذلك، تبنى الحزب الفكر الوسطي المعتدل الذي يوفق بين الجانب الإنساني والاجتماعي، وفكر الربح المادي، وحق الملكية، وحرية التعبير، دون المساس بالثوابت التي تضمن حسن سير تدبير الشأن العام دون ضغط أو إكراه أو فرض لإرادة، وطموح بعض الفئات على حساب أخرى .
لذلك ، ما فتئ حزب الوسط الاجتماعي يندد و يقف في وجه كل تطرف أو مغالاة مهما كان مصدرها .
وهكذا لاحظنا خلال العقدين الأخيرين تهافتت مختلف التيارات السياسية للانخراط في تيار الوسط كملجأ لتفادي الانقراض والتأقلم مع الواقع الدولي الجديد.
فعلا كان هؤلاء المتهافتون على الوسطية ينعتوننا عند بدايتنا كوسطيين بالانتهازية في المواقف، عند نضوب واندثار خطهم السياسي، وكعادتهم وهم أبطال الانتهازية والنفاق السياسي ، أصبحوا يتبنون الوسطية ، و يرغبون في احتكارها كعادتهم اعتمادا على جرأتهم في تغيير المواقف، دون حياء أو خجل ، بل منهم من يحاول احتكار الوسطية لنفسه .
إننا نؤمن أن الوسطية سلوك ينبى على الحد الأدنى من الأخلاق والمبادئ ، يكاد لا يختفي من الحياة اليومية للمواطن .
لقد مارس حزب الوسط الاجتماعي الوسطية بكل مبادئها وأخلاقها ، وعمل طوال سنوات منذ نشأته على نشر الفكر والممارسة الوسطية بين المواطنين على الصعيد الوطني، حيث وجد المواطن ضالته في منهج الوسط والاعتدال حتى في حياته اليومية ، باعتباره أخلاقا وتعاملا إنسانيا قبل أن يكون خطا سياسيا .
وخلال مسيرتنا الحزبية ، لم نتوقف عن التنديد بكل المواقف المتطرفة التي عرفتها بلادنا بالتعبير صراحة عن رفضنا لكل مغالاة أو تطرف مهما كان مصدره .
إن حزب الوسط الاجتماعي يعتمد في مشاركته للشأن السياسي ، وممارسته اليومية على الإنصات للمواطن ، وسماع رأيه في كل القضايا الوطنية التي تشتغل باله وتنال اهتمامه في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية .
وانطلاقا من هذا الإنصات و الحوار نستخلص رغبة و إرادة المواطن وفق حاجياته، لنتولى بلورتها في شكل برنامج حزبنا ، ونضعها كمطالب يتم تبليغها للمؤسسات بالوسائل المتاحة والمتعارف عليها .
ومن هنا كان رأي الحزب في مختلف الاستشارات الوطنية مميزا فاعلا بحمل مقترحات جدية ومهمة ، لها أثر مباشر و كبير على حياة المواطن ، يتم تبليغها إلى المؤسسات المعنية بتدبير الشأن العام كمساهمة من الحزب تدخل ضمن مسؤولياته و واجباته الدستورية .
ودون الخوض في الجزئيات ، فإننا لاحظنا تجاوب المؤسسات مع مقترحاتنا ومطالبنا، وتبنيها ، وأخذها بعين الاعتبار عبر إدراجها في البرامج التي تنفذها استقبالا .
إن حزبكم ، حزب الوسط الاجتماعي يعتبر حزبا ذا قوة اقتراحية كبيرة، ينتج الأفكار والمطالب الشعبية ، ويساهم عبرها بتطوير وتدبير الشأن العام ، كل ذلك بفضل اللقاءات التواصلية والندوات والمحطات الحزبية التي يفتح عبرها المجال للمواطن للتعبير عن مشاغله وهمومه ومطالبه وانتظاراته .
ومن الضروري أن نشير إلى أن العمود الفقري للمهام الرئيسية للحزب، تأطير المواطنين وتوعيتهم وإذكاء الروح الوطنية، وإشراكهم في تدبير الشأن العام، واحترام المؤسسات والثوابت الوطنية .
يضاف إلى ذلك المشاركة في تدبير الشأن العام عند الإمكان ، مادام ذلك مشروطا بالاستحقاقات والقوانين الانتخابية التي نعتبرها غير منصفة ، ولا تحقق المساواة بين المواطنين والأحزاب على السواء .
ولطالما ولازلنا نطالب بمراجعة القوانين الانتخابية والقوانين المصاحبة لها كالقوانين المنظمة للاتصال السمعي البصري، أي الإعلام العمومي، الذي لا يقل أهمية عن القوانين الانتخابية أو الدعم العمومي للأحزاب .
إذ نعتبر داخل حزب الوسط الاجتماعي، الإعلام أهم بكثير من باقي العناصر والعوامل، إذ يعتبر الوسيلة الوحيدة التي يمكن عبرها المواطن من التعرف على الأحزاب وبرامجها.
وبإغلاق هذه النافذة على الأحزاب بمثابة تهميشها ، إن لم يكن إعداما لها .
غير أننا داخل حزب الوسط الاجتماعي ، تجاوزنا هذه المعيقات باللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي من جهة ، و إحداث ذراع إعلام متواضع داخل الحزب، ثبتت فعاليته ونجاعته خلال الحملة الانتخابية رغم ضعف وانعدام الإمكانيات، حيث تمكنت ثلة من المناضلين والمناضلات من إيصال صوت و مواقف الحزب إلى الجميع .
أيها السادة والمناضلين :
إننا لسنا حزبا انتخابيا بالنظر إلى المعايير الخاصة بالمرشح، أو المقبل على الانتخابات التي وضعتها الترسانة القانونية للانتخابات بمختلف أنواعها .
إن المترشح المناضل داخل حزب الوسط الاجتماعي، يشارك في الانتخابات حفاظا على الوطن واستقراره، يدخل الانتخابات وهو مقتنع بانعدام حظوظه لغياب المساواة على أكثر من صعيد .
إننا داخل حزب الوسط الاجتماعي نعتبر الاستحقاقات الانتخابية فرصة لتدريب وتمرين المناضلين، ومناسبة للاتصال المباشر بالمواطنين لتجديد النخب داخل الحزب، وفي المجمل محطة مهمة في حياة الحزب يعيشها بشغف وحماس، تشكل وقودا يفجر الطاقات داخله ، وقناة يمرر عبرها الحزب خطابه ومطالبه واقتراحاته التي تهم تدبير الشأن العام الوطني، تلك المطالب البارزة والمتميزة التي تتجدد و تتبلور عند كل استحقاق.
ولذلك، لا نرى فائدة في فتح نقاش حول الانتخابات أو التعليق عليها .
إن مؤتمرنا هذا يعقد في مرحلة مفصلية عرفت وستعرف تحولات كبيرة وطنيا ودوليا بفعل عدة عوامل و ظروف طارئة فرضت نفسها على الجميع، و أثرت على المواطن في حياته اليومية نخص بالذكر منها :
جائحة كورونا الدولية التي استمرت لأكثر من سنتين ولا زالت مستمرة، غير أن مخلفاتها وآثارها ستؤثر على جيل أو جيلين كاملين ، لما حملت من تغييرات على الصعيد الدولي .
لقد برهنت جائحة كورونا على ضرورة عودة الدول إلى الوطنية ، والاعتماد على الإنتاج وإمكانية كل بلد على حدة ، إن العالم فعلا قرية صغيرة ، غير أن جائحة كورنا أثبتت أن كل قرية يجب أن تعتمد على إمكانياتها الذاتية للعيش ، إذ بجرة قلم أغلقت الحدود ، وأصبح الاعتماد على الإمكانيات الذاتية لكل بلد هو الكفيل لضمان الأمن الغذائي والطاقي، الخ ...
إن هذه التجربة تزكي مطالبنا الملحة و السابقة ، بضرورة العودة إلى الصناعة الوطنية المحلية المتوسطة والصغيرة منها التي نعتبرها الوحيدة الكفيلة بامتصاص جحافل البطالة الوطنية .
ولذلك طالبنا ولازلنا ، بضرورة الرجوع إلى إحداث مناطق ومساحات مخصصة للصناعة توضع رهن إشارة الشباب وكل من يحمل مشروعا صناعيا أو حرفيا بأثمنة رمزية ، وبشروط كفيلة بضمان إنجاح المشاريع .
كما طالبنا منذ مدة طويلة ، بضرورة مراجعة جميع اتفاقيات التبادل الحر مع الدول التي نعتبرها متقدمة صناعيا ومتفوقة على بلدنا ، حيث تسببت في إغلاق المعامل والمصانع الصغيرة التي كانت نشيطة في الأحياء الشعبية والهامشية منها، واندثرت وأغلقت لتحل محلها السلع الرخيصة المعفاة من الرسوم بحكم الاتفاقيات ، والمدعمة من طرف دول المنشأ للحفاظ على اليد العاملة، ولتكون ذات تنافسية عالية مغلوطة، من شأنها أن تقضي نهائيا على الإنتاج المحلي لبلدنا .
أيها السادة :
إننا نساند و نتمن الخطوات الرشيدة والرائدة لصاحب الجلالة التي اتخذها حماية للمجتمع بشكل بارز و فريد دوليا ، فيما يتعلق بالحد من تفشي وباء كرونا داخل المجتمع ، حيث بفضل قراراته الجريئة التي لا يسع المكان لتعدادها ، تجاوز المغاربة الجائحة بنجاح وتماسك وصحة بدنية و نفسية عالية .
وللحد من آثار الجائحة ، أطلق صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله ، خطة الحماية الاجتماعية في ابريل الماضي، تنفذ في الأربع سنوات القادمة ، وهي إحدى الأولويات لمواجهة آثار الجائحة ، من المتوقع أن تشمل اثنا وعشرون مليون شخص ، يمثلون مختلف شرائح المجتمع .
لقد شارك الحزب بفعالية في أشغال اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، و رافع مبررا وجهة نظره مدعمة بمذكرة تضمن مقترحات ، شملت على الخصوص الوسائل الكفيلة لضمان التنمية البشرية ، باعتبارها العنصر الأساسي لكل تنمية اقتصادية ، إضافة إلى تنظيمه عدة ندوات فكرية على الصعيد الوطني .
ومادمنا بصدد الإشارة إلى التنمية الشاملة للبلاد ، لا بد أن نشير إلى مواقفنا الثابتة منذ زمن بعيد ، المتمثلة في وضع وصياغة برامج تعليم عصري ، تستجيب للمتطلبات الدولية ، حتى يحظى المواطن المغربي بتكوين يؤهله للالتحاق بالعمل لدى الشركات والتنظيمات الدولية ، مادام المغرب فتح أبوابه للرأسمال الأجنبي ، وتربطه اتفاقيات مع الدول الصناعية الكبرى، ويلعب دورا محوريا على الصعيد الدولي على أكثر من صعيد .
إن التعليم يجب أن يكون موحدا بالنسبة لجميع المواطنين ، لا مبعث للتفرقة ، وفي متناول جميع الفئات بنفس الكيفية و نفس البرامج .
وسبق أن طالبنا خلال برنامجنا الانتخابي بضرورة مراقبة التعليم الخصوصي الذي بدأ يحتل حيزا كبيرا في الخريطة المدرسية الوطنية بالتدخل في أسعاره وتكاليفه مراعاة للمواطن و المقاولة في آن واحد .
لقد أضيفت جائحة الحرب الأوكرانية إلى جائحة كورونا، نظرا لأهمية الدولتين المتحاربتين ولبقية مسانديهما ، حيث انعكست آثارها الاقتصادية على باقي الدول ، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الأولية ، الشيء الذي يستوجب تدخل الحكومة للتخفيف على المواطن بحماية قدرته الشرائية قدر الإمكان ، كما يستوجب ذلك حتما مراجعة السياسة الفلاحية بالحد من إنتاج المواد المستهلكة للمياه الجوفية ، واستبدالها بالزراعات الغذائية الأساسية ، التي تستهلك نسبة قليلة من المياه ، وفي نفس الوقت تضمن الأمن الغذائي، لكون جميع الدول ستعمل على ضمان الأمن الغذائي لمواطنيها دون الاعتماد على باقي الدول لأسباب أظهرتها الجائحة والحرب .
واعتبارا للظروف المذكورة والسوق الدولية، نلاحظ تلاعب الوسطاء والسماسرة في المواد الأساسية الاستهلاكية الضرورية، مما يستوجب إعادة تقنين الأسعار و مراقبتها بما يضمن التوازن بين المصالح، والحفاظ على القوة الشرائية للمواطن.
إننا لا ننكر أن بلدنا يجتاز مرحلة صعبة بسبب الظرفية الدولية وجائحة كورونا والجفاف الذي لا يقل ضررا عن باقي العوامل المؤثرة في المجتمع ككل .
وهذا يقتضي تكاثف جهود الجميع للتخفيف من وطأته بشتى الوسائل كل من موقعه .
القضية الوطنية الأولى /
نحن لسنا سوداويو النظرة ، لا نرى إلا الأزمات ، علينا أن نكون فرحين و مرتاحين و مفتخرين بما حققته الرؤيا الثاقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، في معالجة قضيتنا الوطنية - الوحدة الترابية .
فبفضل مصداقية و صدق صاحب الجلالة في تعامله مع جميع الدول ، وعلى الأخص الدول الإفريقية ، استطاع أن يضع مرتزقة البوليزاريو ومن معهم في الزاوية الضيقة ، وحجمهما الطبيعي منبوذين ، حيث اعترفت أغلب الدول الكبرى و الوازنة بمغربية الصحراء ، و بأنه لا حل إلا في إطار الحكم الذاتي المقترح الوحيد المطروح على الطاولة .
نعتقد أن هذا الإنجاز الملكي وحده كاف لإسعادنا ، و إراحتنا ، إذ تنصرف الأزمات وتبقى الأوطان .
نعتقد أن حاضني و ممولي المرتزقة تأكدوا و وقفوا على خسارتهم الضخمة التي استمرت لما يفوق 47 سنة ، وأن لا حل لديهم إلا رفع القيود عن المحتجزين و ترك كل واحد منهم يحدد وجهته ، ليلتحق بالوطن الذي يرتضيه ، الشيء الذي يشكل استردادا لحق التنقل والإقامة ، وهي حقوق دولية حرموا منها منذ نصف قرن .
ومن أجل ذلك، نطالب المنتظم الدولي و الضمير الدولي ، بالوقوف على وضعية وحقوق المحتجزين في تندوف، بحرمانهم من ابسط مقومات العيش على مدى سنوات .
وفي المقابل، فإن البرامج الاقتصادية الضخمة التي أطلقها صاحب الجلالة في الصحراء المغربية ، استقطبت واسترعت اهتمام دول العالم، وقادرة على استيعاب شعوب بأكملها .
المستوى الحكومي /
لقد تمخضت الانتخابات عن إفراز خريطة حزبية أسند إليها تدبير الشأن العام فريدة من نوعها ، تتسم بالتجانس و التطابق المثالي لم يعرفه المغرب من قبل .
إذ أن تدبير الشأن العام من الحماية القروية إلى الجهويات إلى البرلمان بغرفتيه انتهاء بالحكومة ، أسندت بالانتخابات إلى الأقطاب الانتخابية الحالية .
ومن جانبنا نرى أن هذه التجربة تتوفر على ظروف النجاح سياسيا واجتماعيا ، ولن يكون هناك مبررا لفشلها لأنها تدير كل المرافق ودون منازع .
ومادامت في سنتها الأولى تواجه ظروفا صعبة تم ذكرها سابقا ، فإنه لا ينبغي التسرع في إصدار أحكام قيمة مسبقة ومستعجلة .
أيها السادة :
إننا خلال مؤتمرنا السادس هذا ، ندعو الجميع إلى الاستمرار في النضال بتوعية المواطنين و حثهم على المشاركة في تدبير الشأن العام ، والثقة في مؤسسات بلادنا ، والانتباه إلى مناورات الحاقدين وطنيا و دوليا ، اللذين لا يروقهم ما تنعم به بلادنا من الاستقرار، ويحاولون بشتى الوسائل بت البلبلة والشك ، والحال أن البلاد يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، من مجد إلى مجد ، بشهادة المنظمات الدولية والدول الكبرى التي تكن له احتراما منقطع النظير .
لسان الحزب
الحزب
الحياة الحزبية
المنظمات الموازية
بخصوص الحزب
كلمة الأمين العام
خلالة المؤتمر العادي السادس للملائمة
الذي عقد يوم 26-27 مارس 2022
بقاعة ثريا السقاط - المعاريف - الدار البيضاء