ورغبة من المتدينين ممارسة تدبير العام ، بوما أن المسارات الديمقراطية في التداول على السلطة ، قطعت أشواطا كثيرة ، وجدوا أنفسهم لا يضبطون قواعدها، ولا يتوفرون على خطاب دنيوي مقنع ، ارتأوا الركوب واستغلال تجدر الدين، والتدين في المجتمعات، ولاحظوا سلطة الدين والتعاليم الدينية وأثرها على المجتمع، الذي يخضع للتعاليم الدينية دون نقاش .
ورأوا أن أقرب وسيلة للتحكم في المجتمعات وجعلها رهن إشارتهم ، مزج تدبير الشأن العام أي الشأن السياسي بصفة عامة ، بالدين واتخاذ الخطاب الديني للوصول إلى غايات دنيوية أي إدارة شؤون البلاد، دون حسيب أو رقيب، مادامت التعاليم الدينية تضع بين يديهم حق التحريم والتحليل، وتجريم و تقريع كل من يناقش مواقفهم بواسطة وسائل جهنمية أقساها التكفير وما يرتبط به من نتائج .
طبيعي أن هذا التكفير الديني السياسي سيشرع و يشع نوعا من مظاهر التدين بفرضها على المجتمع كوسيلة للانتماء، ومظهر من مظاهر التبعية المعلنة، علما أن المظاهر الدينية كاللباس، وغيره لا يدخل في العقيدة، ولا في العناصر الأساسية للدين.
غير أن الوصول إلى تدبير الشأن العام عن طريق الإسلام السياسي يصطدم بعدم التزامهم اتجاه المجتمع بمجموعة من الوعود، والشعارات، والبرامج، الشيء الذي أظهر واضحا عدم كفاءتهم وقدرتهم على تنفيذها .
كما اصطدموا بازدواجية الخطاب ، فالمجتمع الديمقراطي لا يقبل ولا يفهم معنى ازدواج شخصية السياسي الورع والمتقي، ثم فجأة تظهر شخصية الكافر العاصي والخارق للتعاليم الدينية من جهة ، والناكر لعهوده و وعوده الانتخابية .
لذلك ، فالمواطن لا يفهم في المجال السياسي ، والتدبير للشأن العام ، معنى من (ابتلي فيستتر)، إضافة إلى ما هو متعارف عليه « علامة المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا أتمن خان»، وهي ممارسات يبنون عليها قواعد تعاملهم مع المجتمع بإخفاء حقيقتهم ، وهي مرفوضة انطلاقا من أن المسؤول عن الشأن العام، لا يجب أن يكون منافقا أو يخفي عن المواطن حقيقة نواياه .
وطبيعي أن يصاب المواطن بالصدمة من الفضائح الأخلاقية للسياسيين التي طفت بكثرة في السنوات الأخيرة