في إطار سياسة الانفتاح على الطاقات و المواهب المغربية الشابة ، و سعيا منه للتعريف بالشباب المغاربة الذين بصموا على التميز و التألق في عديد المجالات ، يقدم لكم موقع هبة بريس فقرة \"شباب في الواجهة\" في موسمها الثاني و التي تعنى ببورتريهات الشباب المغاربة الذين بصموا على مسيرة ناجحة و استطاعوا ان يحققوا ذواتهم و أحلامهم في وطنهم المغرب.
لكل واحد منهم قصة و حكاية نشاطرها و إياكم حتى تعم الفائدة ، بعضهم لم يستسلم لشبح البطالة بعد أن أنهى دراساته العليا التي لم تسعفه شواهدها في تحقيق أحلامه التي رسمها ذات يوم ، و بعضهم جمع بين الدراسة و العمل ، أما البعض الأخر فترك القلم و العلم جانبا ليبدع في مجال ارتاح فيه ، لكل منهم طريق و سبيل سلكه في رحلة الألف ميل بحثا عن النجاح.
شباب كافحوا ، ناضلوا و لم يستسلموا للعراقيل و المطبات فحققوا المراد في نهاية المطاف ، شباب لم يقبل بالواقع المرير وابتكروا أفكار و مساحة اشتغال جديدة تضمن لهم عيشا و حياة كريمة ، في هذه السلسلة نقدم لكم مساء كل يوم أربعاء بعضا من هؤلاء الذين اعتمدوا على أفكار بسيطة و إمكانيات ذاتية فاستطاعوا كسر كل الحواجز و استحقوا أن تسلط عليهم الأضواء في فقرة \"شباب في الواجهة\" ، و ضيفة عدد اليوم السيدة حانة الزاوي.
بوجدور ، تلك المدينة الهادئة التي عرفها البرتغاليون باسم \"Cabo bojador\" أو رأس بوجدور و التي شيدت سنة 1976 بقلب جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء ، أنذاك لم يكن موقع بوجدور سوى منارة توجه حركة السفن والقوارب عبر الإشارات الضوئية خاصة أن المدينة تقع على واجهة المحيط الأطلسي على بعد 180 كلم جنوب مدينة العيون ، ومنذ تشييدها شهدت مدينة بوجدور وتيرة تنمية وتطور عالية جدا و هذا راجع بالاساس للعناية الملكية الكبيرة التي يوليها الملك للأقاليم الجنوبية فضلا عن أبناء هاته المدينة و شبابها الذين يكلون و يملون صباح مساء من أجل المساهمة بقدر المستطاع في تحقيق إقلاع و نمو شامل لمنطقتهم كل من موقعه و من بينهم نذكر ضيفة عدد اليوم الشابة حانة الزاوي.
هاتفها لا ينقطع عن الرنين و أول عبارة تستقبل بها كل المتصلين \"مرحبا\" ، برنامجها اليومي لا تكاد تجد فيه وقتا لتنعم بالراحة رفقة زوجها و عائلتها ، ألاف الكيلومترات تقطعا أسبوعيا في رحلات مكوكية برا و جوا من بوجدور عروس الصحراء إلى الدار البيضاء و الرباط بفعل انشغالاتها المتعددة و التزاماتها المهنية و الجمعوية في أجندتها المزدحمة.
قبل سنوات كان مجرد التفكير في قدرة تحويل رمال الصحراء لمشاريع خضراء بمثابة ضرب من الخيال و الجنون ، غير أن واقع اليوم يؤكد بأن بوجدور فعلا مدينة الاسثتناءات و التحدي بامتياز ، فكيف إذن استطاعت حانة بلورة أفكارها و مشاريعها على أرض الواقع في منطقة اعتبرت لوقت قريب محافظة و يصعب للمرأة أن تخرج للعلن لتتحدى الصعاب و تؤكد بأن نساء المغرب مهما اختلفت مرجعياتهم و انتماءاتهم و أصولهم قادرات على تحقيق الأحلام.
في بوجدور يلقبونها بالمرأة التي لا تنام نظير انشغالاتها المتعددة خاصة في ميدان العمل الجمعوي، هذا المجال الذي تربت في كنفه منذ إرهاصاتها الأولى في الحياة و هي مجرد طفلة بعدما كبرت وسط اسرة كان فيها الأب فاعلا جمعويا ساهم في تربية حب التطوع بدواخلها لتأخد حانة المشعل و تقرر خوض الغمار خدمة لساكنة المنطقة خاصة الأطفال و المحرومين و النساء الأرامل.
للطبيعة علاقة خاصة مع حانة ، لذلك أسست بمعية أخرين جميعة روابط للأعمال الاجتماعية التي تعنى بالبيئة و التنمية ، و قبل ذلك ترأست نادي التحدي لألعاب القوى المنضوي تحت لواء الجامعة الملكية المغربية لذات اللعبة ، قبل أن تكرمها مؤسسة الأطلس الكبير الأمريكية-المغربية و هي مؤسسة غير حكومية بشرف إدارة مشاريعها بالمغرب نظير ما قدمته من إنجازات في مجال التنمية الاجتماعية.
منذ توليها زمام المسؤولية على هرم هاته المؤسسة العالمية سارعت حانة الزاوي لتبرهن عن علو كعبها و عن قدرتها على تحدي الصعاب حيث اختارت المقاربة التشاركية مع ساكنة القرى كحل أنجع للمساهمة في تنمية الصحراء المغربية ، قبل أن تقرر تحدي رمال الصحراء من خلال مشروع تنموي ضخم يخص زراعة الأشجار المثمرة كالزيتون و الكرم و الرمان و الليمون في قلب منطقة \"قاحلة\".
فكرة اعتقد العديدون أنها بمثابة مغامرة فاشلة قبل الخوض فيها ، لكن هذا لم يثني حانة و باقي رفيقاتها من النساء اللواتي قررن تحدي الصعاب من خلال إيمانهن الكبير بنجاح المشروع و بقدرتهن على جعل المستحيل ممكنا خاصة أن ريعه كان موجها بالدرجة الأولى للتلاميذ الأيتام و للسناء الأرامل على شكل تعاونيات.
يوما بعد يوم نضجت الفكرة و اختمرت بعدما تركتها حانة و رفيقاتها ترعى على مهل في \"مروج\" بوجدور الغير خصبة ، رهان هؤلاء النسوة و تفاؤلهن بمشروعهن كان كبيرا فكان النجاح حليفهن في نهاية المطاف ، لتقرر حانة بعد ذلك خوض تجربة أخرى من خلال مشروع \"زينة المدارس\" و الذي هم 7 مدارس في إقليم بوجدور لحد الساعة من خلال إنشاء مرافق صحية و سور للمؤسسات و فضاء للتلاميذ و تجهيزها بالمعدات اللازمة من أجل تحسين ظروف التعليم بالمناطق الجنوبية للمملكة.
هي اليوم أستاذة مكونة في مجال التنمية الاجتماعية و المقاربة التشاركية ، محاضراتها تشد انتباه عدد كبير من الباحثين عن تطوير ذواتهم في هذا المجال ، فضلا عن كونها عضوة المكتب السيااسي لحزب الوسط الاجتماعي و رئيسة منظمة المرأة بذات الحزب.
اجتماعات لا تنتهي و أفكار لا تنضب ، تتعب و تشقى لتلبي طلبات الأخرين من مرضى و حوامل و معوزين و أطفال ايتام ، حانة الزاوي إذن نموذج للشباب المغربي المكافح ، اخترناها لكم كضيفة لنستنبط الدروس و العبر من قصتها و لندرك أن كل الأحلام مهما كبرت بإمكاننا تحقيقها مادمنا نتوفر على العزيمة و الإرادة رغم كل العراقيل و الصعوبات.
هي اليوم تواصل مسيرتها الناجحة بكل عزم و ثقة ، هي واحدة من الشباب الذين مزجوا بين الحياة المهنية و الشخصية فتميزوا ، هي نموذج من الشباب الذين اجتهدوا و ابتكروا و عزموا النية على تحقيق ذواتهم ، لم ترضخ لعراقيل النجاح و لم تبالي بعواقب مغامرة قد تحتمل الفشل فكان النجاح حليفها في نهاية المطاف.
حانة استحقت أن تكون من ضيوف سلسلة \"شباب في الواجهة\" في موسمها الثاني لتكون عبرة لمن حصل على شواهد من مؤسسات الوطن و جلس في البيت ينتظر فرصة عمل يقتله حنين انتظارها كل لحظة و حين ، هي نموذج لمئات الشباب الذين لم يرضوا بالجلوس على أمل الانتظار ، بل شمروا عن السواعد و واجهوا الحياة بقفازات ملاكم من وزن الريشة في حلبة بحجم الوطن فنالوا كل الإشادة و التقدير و متمنياتنا لهم جميعا بالتوفيق.
موعدنا الأربعاء المقبل مع ضيف جديد و نموذج أخر من الشباب المغربي المتميز ، تابعونا